بدأت قصة مرارته عام 2002 حيث كشفت معارضته المتشكلة الوحيدة عن منشأة نووية سرية تدعى «نطنز» وبذلك دفعت النظام الولائي بكل هيكله وامتداداته المخيفة هنا وهناك صوب نفق مجلس الأمن. وهذا النفق وكما يقال إنك اذا دخلته فلا تخرج الا بخروج الحياة من جسدك وبالنسبة لنظام الولي الفقيه ومشاريعه السرية القديمة الجديدة، فلم يتوقف الأمر هنا بل كان عملية الكشف تلك هي بداية لسلسلة من حلقات الكشف والافضاح من قبل معارضته اليقضة مما لم يترك له مجالا فارغا في الإعلام والجرائد والقنوات على ظهر الأرض.. وأخيرا وبجهود مكثفة وبعمليات كشف تجاوزت حلقاتها 80 حلقة، أجبرت المعارضة المجتمع الدولي والغرب بالتحديد على وضع حد لسياسة التجاهل واللا مبالاة تجاه مشاريع إيران ودفعته الى التحرك نحو مساءلة النظام ومعاقبته. فكانت تلك اللحظة هي نقطة انطلاق سلسلة من العقوبات الخانقة التي فرضت على نظام الولائي المقدس! من قبل الغرب بقيادة الشيطان الاكبر.
وكلما حاول الولي الفقيه أن يفر من الحقيقة كلما تلفتت الأنظار اليه أكثر والى مشاريعه الخطرة. وكلما حاول صرف الأنظار منه ومن مشاريعه بتدخلاته ودماره في العراق وسوريا واليمن والبحرين و.. كلما فشلت خطته من قبل المعارضة الحاضرة في كل مكان وكل زمان. وأخيرا فألقاه المجتمع الدولي في نفق العقوبات الاقتصادية، احدى ممرات مجلس الأمن الدولي وتحت وطأة العقوبات تلك وخوفا من التداعيات الناجمة عنها اضطر الولي الفقيه إلى الجلوس خلف طاولة المفاوضات مع الشيطان الأكبر لأنه وطبقا لما جربه أثناء انتفاضة عام 2009 كان خائفا بدرجة عالية إزاء انطلاق انتفاضة من جديد وارتفاع نبرة الاحتجاجات والنقمات الشعبية ولأن الانتفاضة في إيران أصبحت حدا أحمر للنظام بعد تجاربه المريرة في 2009.
وأخيرا وفي 14 يوليو 2015 أعلن وزير الخارجية الإيراني ظريف ومسؤول العلاقات الخارجية للاتحاد الاروبي فدريكا موغريني في بيان مشترك، عن حصول إيران ودول الخمس + واحد على اتفاق نووي شامل وبذلك تم إبرام «برجام» بين زعيم «الهلال الشيعي» _والإسلام والشيعة براء منه ومن حلفائه _ وبين «الشيطان الأكبر» وبذلك اختار الولي الفقيه ولأول مرة في حياة نظامه الديني اتخاذ خطوة إلى التراجع والخطوة لم تكن عادية بل كانت خطوة استراتيجية مخجلة حقا الى الوراء وتمثلت في تخليه عن مشاريعه النووية التي كانت من المقرر أن ستكون ضمانا لحياته على غرار كوريا الشمالية وبذلك تبددت مجهوداته المليارية في انتاج القنبلة وانكسرت شوكته في دول الجوار وبين أذنابه وميليشياته وحلفائه التي كانت تعودت بعنتريات النظام ونعراته المعادية للصهاينة وتصريحاته لإزالة اسرائيل من على الخارطة الجغرافية!!
وكما بات واضحا أن أنظمة دكتاتورية دينية دائما ما يبحثون عن الحلول والمفر في الهروب الى الأمام واذا ما أجبروا على اتخاذ خطوة الى الوراء فهذه الخطوة يمكن أن تكون المسمار الأول في تابوت سلطتهم.
والآن يبدو أن دومينو هزائم الولي الفقيه أخذت تتساقط احجاره واحدة بعد أخرى والملفت أن التساقط هذا يزداد شدة وسرعة بمرور الأيام ويمكن تشبيه هذه الحلقات المنظمة من الهزائم بمسامير تسمير نعش نظام الفقيه بعد أربعة عقود من المتاجرة بالدين وبالشيعة ودماء شعوب المنطقة:
فالمسمار الأول كان عجزه في إزالة المقاومة المتمثلة في النساء والرجال المناضلين في العراق.. وكلما حاول ان يبيدهم بيد دمية طهران في بلاد الرافدين «ابي اسراء» كلما زادو قوة وإيمانا في الصمود.. وكلما حاصرهم في صحاري العراق كلما صنعوا من الصحراء لؤلؤا بكد اليمين وعرق الجبين.. وكلما اراد أن يجعلهم منسيين كلما دخلوا اكثر فاكثر في قلوب أبناء الشعب وشعوب المنطقة.
وأما المسمار الثاني فكان هو قبول النظام برضوخ لـ «برجام» .. والثالث كان قبوله بالجلوس حول طاولة المفاوضات بشأن حفيده المزروع في سوريا بشار الأسد ما يطلق عليه اسم «بر شام» على غرار كأس السم النووي «برجام».. والرابع كان فرار بوتين من سوريا … والخامس اعادة تحقيق في جرائم بوينوس آيرس وتفجير أميا .. والسادس رضوخ الولي الفقيه لمجيء من يطلق عليهم بالاعتداليين في النظام خوفا من اندلاع الانتفاضة .. وبامكان كل متابع للشأن الإيراني والاقليمي ان يعدد المسامير التالية منها قضية ميشل سماحة و اخفاقات الحشد الإيراني في العراق و انهيار المعسكر الشيعي _والشيعة منهم براء_ في بلاد الرافدين و اندلاع المظاهرات المليونية ضد المالكي وسليماني ودانايي فر في بغداد .. وعزلة حزب الله اللبناني وبداية العد التنازلي لبقائه في لبنان ببداية نهاية الأسد في سوريا..
واخيرا لربما يتساءل المرء يا ترى لماذا لا يتخلى النظام عن مشاريعه التخريبية في المنطقة والعالم مثلما تخلى عن مشاريعه النووية؟ لماذا ليس هو قادرا على التعامل مع الغرب؟ ألم يتجاهل الغرب جرائمه وخرابه وفساده وافساده في دول المنطقة والعالم؟ ألم يسمح الغرب له بالبقاء على الحكم باعدام الإيرانيين بالمئات بل مئات الألوف ؟ ألم يهديه الغرب العراق وسوريا واليمن في طبق من الذهب؟ ألم يقم الغرب بممارسة أبشع المؤامرات والخيانة بحق معارضة النظام الوحيدة طيلة العقود الأربعة الماضية؟ ألم يترك الغرب معارضة حفيده في سوريا لتكون فريسة للمتحالفين مع الأسد؟ اذن لماذا ليس النظام قادراعلى التعامل مع الغرب وما الداعي لهذه المناورات الصاروخية المثيرة للسخرية في المنطقة؟ ولماذا ليس النظام قادرا على الاتيان بحل لنفسه للخروج من أزماته الداخلية والإقليمية والدولية الخانقة ؟
الحقيقة أنه لن يخرج حل من داخل هذا النظام . لذلك فان هذه الأزمة هي أزمة الانهيار والسقوط حيث لا يجد أمامه سوى طرق مسدودة مهما حاول. والهزائم التي تلقاها والمأزق الذي يعيشه هو ناجم عن خارج هذه المنظومة وتنبع عن تناقضين: أولا تناقض ظاهرة «ولاية الفقيه» مع المجتمع الدولي والقرن العشرين والقرن الحادي والعشرين ومع القيم والأعراف الانسانية والثاني تناقضه مع المجتمع الايراني ومقاومة الشعب الايراني المتشكلة. فهذا المجتمع فوهة بركان يغلي وهناك اكثر من تسونامي تقف للملالي بالمرصاد تسونامي 25 مليون فقير، وتسونامي النساء المقموعات طيلة العقود، وتسونامي العاطلين الذين تجاوز عددهم 33% وتسونامي 11مليون قروي عاطل عن العمل، وأخيرا تسونامي الشباب الذي طفح كيل صبرهم من بيادق التخلف والرجعية ولا يتحملون بعد ظاهرة «ولاية الفقيه» والحكم المطلق للمعممين في عصر الاتصالات وعالم التواصل والتكنولوجيا..
ويبدو أن ربيع طهران أصبح قاب قوسين أو أدنى.